16 - 08 - 2024

مدينتي الفاضلة | كريسماس.. يعني تجديد مشاعر الحب

مدينتي الفاضلة | كريسماس.. يعني تجديد مشاعر الحب

صديقتي الصحفية هناء جوهر هي أولى المحتفلين بالكريسماس، تشترى أول شجرة وتجمع أحفادها لتزيينها.. وعلبة من كل نوع كعك لفرحة توزيعها على أقرب مسيحيين لمحيطها.. هذا العام هناء سألت أحفادها يعنى إيه كريسماس!! فأجابوها "عيد الهدايا".. وفتحت أصغرهم "شريفة" الحصالة لقسمة التحويشة بالعدل على هدايا حبايبها.. صحيح شريفة في مدرسة انترناشيونال لا تميز بين الطلبة دينيا، لكنها فهمت من سلوك الجدة والعائلة، أنه عيد "إعلان المحبة بهدية".  

الاحتفال بالكريسماس هذا العام مٌثير!! قلب مصر الجديدة – الكوربة - ينبض بنجوم وترانيم الميلاد، يٌشعل أمسياتنا فرحا، أجواء محبة وقبول الآخر تدفيء الحشود بهجة.. بينما انجلترا وفرنسا وألمانيا وأغلب أوروبا تفرض حظر تجول وتلغي تجمعات الترانيم والاحتفال كإجراءات احترازية!! والأغرب أن السعودية مدينة الكعبة، تستقطب نجومنا ومطربينا لإحياء حفلة الكريسماس، عيد ميلاد يسوع في الرياض!! استمرارا لنشر دهشة تبدل الحرام إلى حلال بقرار من الملك!! وبكل هذا الترحاب الشعبي!! يعني، العالم يتغير سياسيا وأيديولوجيا لمواكبة تغير الطبيعة (المناخ) وصراع المصالح!! الخليج يرفع المحظورات ويبنى الكنائس!! اوروبا تستسلم لانتشار الإلحاد!! وننتظر تحرر رجال الدين في مصر من شهوة السلطة!! 

نعود لروح الكريسماس،  وقصته الأقرب إلى الأساطير.. وهي أن "مريم" طفلة فقيرة جاءت بعد سنين التضرع لله بدموع ليرفع عن أمها عار العاقر في عصور حياة الفطرة، وعبودية كل سيد أيا كان، بشرا أو شهوة.. الوالدان نذرا تقديم المولود لخدمة الله.. رزقهما الله بمريم، وبعد الفطام قدماها لخدمة كهنة المعبد اليهودي.. تصير مريم شابة صغيرة يتيمة، مٌشٍعة بجمال البراءة والنقاء، يظهر لها ملاك يضيء بصيرتها كالشهاب، يبشرها بحمل إلهي بدون زواج، وطفلا يقدم للعالم حبا عجيبا وتضحية مٌذهلة.. تصدق وتطيع وتنتظر ببراءة..  يختار الله ان يولد يسوع في مزود - حظيرة غنم - في مدينة غريبة عن الدار!! وألا يحتفل بميلاده إلا رعاة غنم، كانوا ساهرين هذه الليلة الباردة على التل لحراسة أغنامهم!! يظهر لهم الملاك معلنا خبر ميلاد يسوع الذي ينتظره اليهود على أرضهم وفق النبوءات القديمة، لفداء العالم وخلاصه من روح الشر.. ويكتمل المشهد بملائكة تضئ التل وترتل ابتهاجا بالميلاد العجيب، ويرشدهم الملاك لاتباع مسار نجم مضئ فوقهم سيقودهم إلى موقع المزود.. يقودهم النجم والفضول ورجفة مهيبه، وحين يصلون، يغمرهم فرح طاغ، وسلام عجيب، يٌسجِدًهم للمولود، ويدفعهم لنشر الخبر كالمٌبشرين!

يَشُب الطفل مٌدهش الحكمه كإبن بالرعاية ليوسف النجار البسيط! وفي سن الثلاثين تبدأ رسالته العلنية.. يختار اتباعه الـ 12 من صيادي السمك، ومصلحي شباك الصيد رمزا لرسالته، ولسهولة تدريبهم على اصطياد واصلاح النفوس.. ويجول ُيعلم بأعماله، يصنع خيرا ومعجزات شفاء، وينصح بأمثال وألغاز ورموز.. بشجاعة يواجه رجال الدين ومعلمي الناموس الأفاقين ويفضحهم علانية لأنهم يٌعثٍرون البٌسطاء.. تحدث صحوة لمن يرى ويسمع ويفكر ويتفحص الكلام والأفعال وسلوك الشخصي ليسوع.. فيتهافت التعابي لسماعه، ويتوب الخطاة لأنه يبشرهم برحمة الله وغفرانه، ويؤكد قبولهم الأكيد في ملكوت السموات، ولا يتوقف عن تحذيرهم وحثهم على مقاومة أسوأ شهوات العالم وأصل كل شرور، "السلطة والمال" والبٌخل.

حياة يسوع كانت 33 عاما فقط، عاشها تطبيقا صادقا لكلامه، زٌهد، تواضع، قبول تبعات الاعتراف بالحق.. التسامح لدرجة تعليم تلاميذه محبة الأعداء بدروس عملية!! منها احتمال خيانة وغلاظة قلوب اليهود الذين صرخوا من الظلم والعبودية، ولما جاء لإنقاذهم أنكروه!! وهي التفاصيل التي تنبأ بها أنبياء كثيرين قبل مولد يسوع بمئات السنين- وسجلها العهد القديم- ثم شهد عنها تلاميذه شركاء رحلته، في  أربع اناجيل (متى، مرقص، لوقا ويوحنا) شهادة موثقة بتلك النبوءات، عن ميلاد الطفل يسوع في بيت لحم أورشليم القدس، وأنه الملك الحقيقي القادم لإنقاذ اليهود والعالم من قوى الشر.. وسيتآمر عليه رؤساء الكهنة والكتبة ومعلموا الناموس، ويضطهدونه لأنه يهدد عروشهم، وسيحشدون البسطاء، لإجبار الملك الروماني إلى قتله مصلوبا كاللصوص!

دبر الله أن يولد يسوع في مزود وليس قصرا رمزا لتواضع  وسهر كل راع صالح!! واختار نجارا بسيطا لرعايته رمزا مٌركبا.. وأن يولد وحيدا لا يحتفل به إلا رعاة مستحقون، لأنهم رعاة ساهرون لحراسة أغنامهم.. وليحاكم رٌعاة يجلدون الشعب بشريعة موسى النبي وهم يرتعون في الملذات والشهوات!! 

لهذا بدأت الرهبنة في مصروازدهرت وانطلقت إلى العالم.. الرهبان والراهبات بشر زهدوا شهوات العالم، واختاروا حياة النقاء والخدمة المجانية لكل محتاج، حبا واستعدادا لحياة ملكوت السموات.

ومنهم الراهب الشاب نيقولاوس الشهير بسانتا كلوز، الذي أنقذ أسرة كادت تهوي ببناتها الثلاث، في الخطية لحاجتها للمال، كان يتخفي نصف الليل ويلقى لهم كيس نقود من نافذتهم.. ولما قفشوه هرب للدير هربا من مجد العالم.. لكن تحولت حكايته إلى رمز للرحمة ولعطاء المحبة.

لذلك ابتهجنا في مصر هذا العام لانتشار الاحتفال بالكريسماس- ميلاد يسوع المسيح- كمؤشر لتغير المناخ الدينى.. كل شجرة وأجراس وترانيم في البيت وفي الشوارع ، تبدد غيوم السلفية، وتثمر محبة ومستقبل آمن.. كل كريسماس وروح المحبة بخير.
------------------------
بقلم: منى ثابت

مقالات اخرى للكاتب

مدينتي الفاضلة | مين قطع النور عن مين؟!